كيفية استخدام الأتمتة الفائقة لتحسين العمليات التشغيلية

كيفية استخدام الأتمتة الفائقة لتحسين العمليات التشغيلية

 

تشهد الأتمتة الفائقة ارتفاعًا غير مسبوق في أهميتها، مع توقعات بنمو سوقها العالمي من نحو 22.7 مليار دولار عام 2024 إلى 60.6 مليار دولار بحلول 2030. وقد بينت دراسات عالمية إلى أن دمج تقنيات الأتمتة الفائقة مع إعادة تصميم العمليات التشغيلية خفض التكاليف التشغيلية بمعدل يصل إلى 30% بحلول عام 2024. كما تشير تقارير إلى أن الشركات التي تبنت تكنولوجيا الأتمتة أبلغت عن انخفاض أخطاء العمل بنسبة تصل إلى 70% وزيادة كبيرة في دقة العمليات وجودتها.

في المنطقة العربية، تتجه الحكومات الكبرى نحو تسريع التحول الرقمي واستثمارات هائلة في التكنولوجيا. على سبيل المثال، وصل إنفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تكنولوجيا المعلومات إلى نحو 183.8 مليار دولار في 2024، كما تنمو حصة الذكاء الاصطناعي بوضوح (تتجاوز الإنفاق على الذكاء الاصطناعي 3 مليارات دولار في 2024، بزيادة 32% عن 2023) ومع ذلك، لا تزال تبني الشركات العربية للأتمتة الفائقة في مراحله الأولى نسبيًا مقارنة بالأسواق العالمية. حيث تواجه هذه الشركات تحديات مثل قلة الوعي الاستراتيجي بالأنظمة الذكية واعتماد الأنظمة القديمة ونقص الكفاءات المدربة.

ولذلك، يبرز السؤال المركزي: كيف يمكن توظيف الأتمتة الفائقة عمليًا لتحسين كفاءة ومرونة العمليات التشغيلية؟

 

ما هي الأتمتة الفائقة وكيف تعمل في العمليات التشغيلية؟

تعرف الأتمتة الفائقة بأنها نهج متكامل يعتمد على تقنيات متعددة لاستغلال البيانات التشغيلية الذكية وتحقيق أتمتة شاملة للعمل. فهي تتجاوز أتمتة المهام الروتينية البسيطة ليشمل دمج الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) ومعالجة اللغة الطبيعية مع برمجيات الأتمتة الروبوتية (RPA) لتحليل وتوجيه العمليات المعقدة. وفقًا لمصادر Oracle، فإن الأتمتة الفائقة تهدف إلى تعزيز سرعة وكفاءة ودقة العمليات اليومية في المؤسسات، وذلك من خلال الاستفادة من البيانات التشغيلية للتنبؤ بالاحتياجات وتقديم الخيارات المثلى في الوقت الحقيقي.

ولكي يؤتي هذا النهج ثماره، يجري أولًا تحديد العمليات الفرعية التي يمكن أتمتتها، ثم جمع البيانات ذات الصلة ودمج مصادرها في تدفقات معلوماتية متصلة. بعد ذلك، يتم انتقاء الأدوات التكنولوجية المناسبة من منصات RPA منخفضة الكود إلى منصات AI متقدمة وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على قواعد الأعمال المحددة. وفي النهاية تُنشأ منظومة موحدة للأتمتة تعتمد على مركز تميز حوكمي يوجه فريق العمل وقادة المشروع في تنسيق هذه الحلول.

 

ما المكونات الأساسية والتقنيات المستخدمة؟

تتألف الأتمتة الفائقة من عدة عناصر وتكنولوجيات رئيسية تعمل بتناغم وتشمل هذه: أتمتة العمليات الروبوتية (RPA) كأساس تنفيذي، وإدارة العمليات التجارية (BPM) لتصميم ومراقبة تدفق العمل، وكذلك منصات منخفضة/بدون كود لصياغة الواجهات والإجراءات بسرعة. والأهم من ذلك، تتطلب الأتمتة الفائقة طبقة ذكاء اصطناعي تشمل التعلم الآلي والرؤية الحاسوبية، والتي تقوم على تحليل البيانات التاريخية والحالية للتنبؤ بالاحتياجات والأخطاء المحتملة. باختصار، يشرح Oracle هذا الأمر بأن الأتمتة الفائقة «تجمع بين أتمتة عمليات الأعمال وتكاملات البرمجيات ومخازن البيانات التشغيلية لتدريب الذكاء الاصطناعي وأتمتة العمليات المعقدة، مما يتيح للشركات إطلاق إمكانات جديدة في دقة وإنتاجية الأعمال.

 

ما الفرق بين الأتمتة الفائقة وأتمتة العمليات الروبوتية التقليدية؟

تكمن الفكرة الأساسية في أن الأتمتة الروبوتية (RPA) تقوم على تنفيذ مهام محددة بشكل تلقائي بدلاً من الإنسان، مثل إدخال البيانات والنقل بين الأنظمة، أما الأتمتة الفائقة فترتقي إلى مستوى أعلى بكثير حيث تضيف «البراعة العقلية»؛ فهي تحاكي الذكاء البشري في فهم النصوص وصياغة القرارات، مما يجعلها قادرة على أتمتة عمليات أكثر تعقيدًا وتتكيف مع المعلومات غير المهيكلة. على سبيل المثال، بينما يقتصر RPA على المهام الروتينية المكررة، يمكن للأتمتة الفائقة استيعاب تفاعلات خدمة العملاء المعقدة وتحليل تقارير مفصلة أو التنبؤ بالطلب على السلع دون تدخل بشري.

 

كيف تساهم الأتمتة الفائقة في تحسين الكفاءة التشغيلية وتخفيض التكاليف؟

تعزز الأتمتة الفائقة بشكل ملموس كفاءة الأعمال وجودتها عبر تقليل الأخطاء وتسريع أداء العمليات. فقد وجد تقرير حديث أن المؤسسات التي تستخدم تقنيات الأتمتة (كالذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة) استطاعت خفض تكاليفها التشغيلية بنسبة 10% إلى 50% بفضل أتمتة المهام الروتينية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن توظيف الأتمتة الفائقة يمكن أن يقود إلى خفض الوقت اللازم لإغلاق العمليات المالية أو إنتاج التقارير بشكل جذري – إذ تشير تجربة شركة Lyft إلى أنها اختصرت أكثر من نصف وقت إغلاق دفاترها المالية باستخدام الأتمتة.

  • تقليل التكاليف التشغيلية: تكشف البيانات أن تطبيق الأتمتة الفائقة يمكن أن يوفر مبالغ ضخمة على المدى الطويل، سواء عبر تقليص العمالة البشرية المطلوبة للمهام المتكررة أو بتجنب الخسائر الناتجة عن أخطاء بشرية. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن إدخال الأتمتة في سير العمل أدى إلى خفض أخطاء العمليات حتى 70% ، مما يترجم إلى إنفاق أقل على التدقيق والتصحيح. وبشكل عام، من المتوقع أن تحقق الشركات التي تتبنى الأتمتة الفائقة عائد استثمار (ROI) يصل إلى 30% – 200% خلال السنة الأولى من التطبيق.
  • زيادة الإنتاجية وجودة الخدمة: بفضل الأتمتة الفائقة يصبح بإمكان الموظفين التركيز على المهام الاستراتيجية ذات القيمة المضافة بدلاً من الأعمال الروتينية. ونتيجة لذلك، تحدث الشركات نقلة نوعية في سرعة الاستجابة وتنفيذ الطلبات، ما يعزز رضا العملاء والشركاء. فقد ذكر خبراء أن الأتمتة الذكية تتيح تفاعلات أكثر سلاسة وتخصيصًا مع العملاء بوقت استجابة أسرع، كما تزيد من الإنتاجية الإجمالية للمنظمة.
  • المرونة وسرعة التكيف: يمكن للأنظمة الذكية التنبؤية ضبط العمليات تلقائيًا عند تغير متطلبات السوق أو بيئة العمل. وهذا يعني أن المؤسسات التي تعتمد الأتمتة الفائقة تصبح أكثر مرونة في مواجهة الأزمات وتغيرات الطلب. فقد أدى التحول الرقمي المدفوع بالأتمتة إلى إتاحة سلاسل توريد أكثر ذكاءً واستجابة، كما يذكر مثال شركة Chipotle  التي استخدمت الأتمتة لمراقبة سلسلة توريدها والتنبؤ بالاحتياجات بدقة عالية، مما وفر عليها ملايين الدولارات سنويًا.

بشكل عام، يظهر جليًا أن الأتمتة الفائقة تحقق توفرًا في التكاليف وتحسنًا في الأداء باتجاهات متعددة. ولذلك تؤكد الدراسات أنها ليست مجرد أدوات لتخفيض الفواتير، بل «محفز ابتكار يتيح للمؤسسات إعادة تصور عملياتها وتقديم قيمة استثنائية لعملائها» في عصر تنافسية متزايدة.

 

ما أبرز الأمثلة العالمية والعربية لتطبيق الأتمتة الفائقة؟

لقد استُخدمت الأتمتة الفائقة في مجالات مختلفة حول العالم، عبر أمثلة عدة في قطاعات الرعاية الصحية والتجزئة والمالية وغيرها

  • أمثلة عالمية مشهورة: تشير تقارير Oracle إلى عدد من قصص النجاح العالمية: فشركة Lyft في قطاع النقل تمكنت من خفض وقت إغلاق الحسابات المالية إلى النصف باستخدام الحلول الآلية. وفي مجال التجارة الإلكترونية، استخدمت منصة Facily البرازيلية الأتمتة لدمج إدارة المالية والمخزون واللوجستيات، مما أسفر عن تسريع تلبية الطلبات ومراقبة المخزون بكفاءة أكبر. أما شركة Razer الرائدة في منتجات الألعاب فأضافت روبوتات محادثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي فائق لتحسين خدمة العملاء؛ ونقلت 50% من استفساراتها تلقائيًا عبر الدردشة الآلية، ما زاد رضا المستخدمين وخفّض الضغط على موظفي الدعم.
  • أمثلة عربية ومحلية: في الشرق الأوسط، لا تزال الأمثلة الموثقة محدودة، لكن قطاعاته الأساسية دخلت المسار نفسه. فقد لاحظ خبراء أن البنوك وشركات الاتصالات والحكومات في الإمارات والسعودية بدأت بنشر روبوتات ذكية في عملياتها بشكل واسع. على سبيل المثال، صرّحت شركات كبرى في الخليج عن مشاريع لتحويل الخدمات البنكية الإلكترونية والمطالبات التأمينية إلى نماذج آلية تعتمد على التعلم الآلي، مما يواكب مبادرات التحول الرقمي الوطنية. كما تستثمر الحكومات إقليميًا في تدريب الكوادر على الذكاء الاصطناعي والأتمتة الفائقة، إدراكًا منها بأن هذه التقنيات تعد أمرًا حيويًا للبقاء في المنافسة العالمية.

 

وبشكل عام، تؤكد البيانات أن الدول العربية المتقدمة تقنيًا مثل السعودية والإمارات تركز الآن على أتمتة الصناعة والخدمات؛ ففي السعودية مثلاً تستهدف رؤية 2030 أن تصل نسبة التصنيع المحلي إلى 50% من احتياجاتها بفضل الأنظمة الذكية. كل هذه الاتجاهات تشير إلى أن الأتمتة الفائقة في طريقها لتصبح جزءًا راسخًا من المشهد التقني العربي، مما يجعل من المهم للشركات تبنيها للاستفادة من مزاياها العالمية.

 

كيف يمكن للشركات العربية تبني الأتمتة الفائقة؟

تبدأ رحلة الأتمتة الفائقة بتخطيط منهجي يرتكز على فهم عميق للعمليات الحالية وتحديد نقاط القوة والضعف. وفقًا لأخصائيي تكنولوجيا المعلومات، تشمل الخطوات الأساسية:

  • تحديد فرص الأتمتة: على الإدارة رصد المهام المتكررة والاختناقات في سير العمل وتجميع قواعد الأعمال المعمول بها. يجب إشراك موظفي الخطوط الأمامية للاستفادة من خبراتهم في الكشف عن النقاط التي تستحق الأتمتة أولاً.
  • جمع البيانات وربط الأنظمة: تعبئة بيانات التشغيل من مصادرها المختلفة وإتاحتها في تدفقات آنية. هذه الخطوة تُمكن نماذج الذكاء الاصطناعي من التعلم الفعّال. في هذه المرحلة، يُنصح بتوحيد قواعد البيانات وقدرة الربط بين الأنظمة القديمة (Legacy) والتقنيات الحديثة لضمان نقل المعلومات بلا عوائق.
  • اختيار الأدوات والمنصات المناسبة: يشمل ذلك برمجيات RPA لاستنساخ الإجراءات، ومنصات low-code لربط التطبيقات، بالإضافة إلى أدوات التعلم الآلي للتحليل والتنبؤ. يتيح توظيف خدمات سحابية متخصصة كمنصات Oracle أو غيرها بناء حل شامل للأتمتة دون الحاجة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية.
  • تثقيف الكوادر وتأسيس مركز تميز: نجاح الأتمتة الفائقة لا يقتصر على التكنولوجيا فقط؛ بل يتطلب فرقًا عملًا مدربة وممارسات إدارية داعمة. يُنصح بإنشاء وحدة (مركز تميز) تتولى الإشراف على المشروع وتدريب الموظفين على المهارات الرقمية الجديدة.  كما يجب إدارة التغيير بعناية لمواجهة مقاومة موظفي الخطوط الأمامية الذين قد يشعرون بالقلق حيال دورهم، من خلال توضيح أن الأتمتة ستجرد الموظفين من المهام الرتيبة فقط ليمكنهم التركيز على المهام الإبداعية والاستراتيجية.
  • القياس والتكرار المستمر: بعد النشر الأولي، يجب مراقبة الأداء عبر مؤشرات قياس (KPIs) محددة، وتقييم مدى تحقيق العوائد المرجوة على الاستثمار. على ضوء النتائج، تجري منظمات متمرسة تكرارًا دوريًا لعمليات الأتمتة وتحديث النماذج، ما يعزز القدرة على التكيف ويقود إلى تحسين مستمر.

 

ومع جميع هذه الخطوات الواعدة، يظل أمام الشركات تحديات يجب معالجتها بحذر. فمن التحديات الشائعة مقاومة التغيير ونقص الخبرات التقنية، إضافةً إلى مخاوف أمنية وأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي. وللتغلب على ذلك، توصي الجهات الاستشارية بوضع استراتيجيات واضحة للتنفيذ تشمل إدارة مخاطر التطوير وتحديث هيكل الأمان السيبراني  بالإضافة إلى بناء شراكات مع مزودي حلول موثوقين. كما أن رسم رؤية قيادة واضحة وتوفير حوافز قد يساعدان في تسريع تبني هذه التقنيات الجديدة بين العاملين.

في الختام، يتضح أن الأتمتة الفائقة لم تعد ترفًا تقنيًا بل ضرورة استراتيجية للمؤسسات التي تسعى إلى التنافس في عصر الرقمنة. فاستخدامها بشكل مدروس، تستطيع الشركات العربية رفع كفاءة عملياتها، وتقليل الفاقد، وتلبية طلبات العملاء بسرعة أكبر. ومع الدعم الحكومي والتوجهات العالمية الداعمة، فإن الخطوة القادمة هي بناء القدرات الداخلية من خلال تدريب الكوادر البشرية والشراكات التكنولوجية لجني الفوائد الحقيقية لهذه الثورة الذكية في الأعمال.

 

...