مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب: حماية الاقتصاد العالمي وتعزيز الامتثال المالي

مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب: حماية الاقتصاد العالمي وتعزيز الامتثال المالي

 

في عالم يشهد تحديات متنامية في الجرائم المالية المعقدة، يأتي غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في مقدمة التهديدات التي تستهدف استقرار الأنظمة الاقتصادية والأمنية للدول. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما بين 2% إلى 5% من الناتج المحلي العالمي (أي حوالي 2.2 إلى 5.5 تريليون دولار سنويًا) يتم غسلها عبر أنشطة غير مشروعة. كذلك أظهرت بيانات حديثة للهيئة الفدرالية الأمريكية للتجارة (FTC)أن نسبة الأشخاص الذين تكبدوا خسائر مالية بسبب الاحتيال ارتفعت من 27% في 2023 إلى 38% في 2024، وهو ما يعكس تسارع خطر هذه الجرائم واستهدافها للاقتصاد العالمي. في ضوء ذلك، يصبح التدريب الاحترافي المتخصص مطلبًا أساسيًا، حيث تعد شهادة “CAMS” العالمية من ACAMS المعيار الذهبي في مجال مكافحة غسيل الأموال. معهد الحل الوحيد للتدريب والاستشارات، يُعدّ أحد أبرز المعاهد الرائدة في الوطن العربي لتقديم برامج تدريبية متخصصة تعزز مهارات المختصين في هذا المجال.

 

ما هو غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؟

عملية غسيل الأموال كما عرفها البنك المركزي السعودي هي عملية يقوم من خلالها المجرمون بتغسيل أموالهم غير المشروعة عبر إدخالها في النظام المالي وإخفاء مصدرها، حيث تُستخدم غالبًا عائدات جريمة مثل الاتجار بالمخدرات أو الرشوة. بالمقابل، تمويل الإرهاب كما عرفتها وحدة التحريات المالية الكويتية ينطوي على توفير الأموال والأصول للجماعات الإرهابية وتمكينها من تنفيذ أنشطتها . فمثلاً، قد تحصل هذه الجماعات على أموال عبر حملات تبرع شرعية أو أنشطة غير مشروعة، ثم تُستخدم في شراء الأسلحة أو التمويل اللوجستي للهجمات.

 

ما أهمية مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؟

تعد عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب خطراً جسيماً على الاقتصاد والمجتمع؛ إذ تؤدي إلى فجوة اقتصادية واجتماعية متنامية وزيادة الفقر وضعف النمو. كما تسهل هذه العمليات انتشار جرائم أخرى؛ فقد وُجد أنها تسهم في انتشار الفساد والاتجار بالمخدرات وحتى تمويل الإرهاب في المجتمع. باختصار، يغذي غسيل الأموال الاقتصاد الموازي ويقوض القيم الاجتماعية، مما يدفع الحكومات إلى تعزيز الإجراءات الرقابية.

 

التحديات والأساليب الشائعة

الجرائم المالية تتطور باستمرار وتستخدم وسائل معقدة لتجنب الكشف. من أبرزها:

·      التحويلات البنكية والبرمجيات الوهمية: مثل إتمام معاملات بنكية خارج المؤسسات الرسمية أو استخدام معاملات مالية متسلسلة لتعقيد التتبع.

·      الشركات الوهمية والتجارة الوهمية: تُنشأ شركات افتراضية أو تستخدم عمليات تجارية فواتير مضخمة لتبييض الأموال مما يجعل تتبع الأصل صعبًا.

·      العملات الرقمية والتكنولوجيا الجديدة: استغلال منصات التشفير ووسائل الدفع الإلكتروني لتمويل الأنشطة الإرهابية عبر تحويلات بآليات عصية على المراقبة.

·      التستر والرشاوى: قد يتم تمرير الأموال أحيانًا تحت غطاء علاقات شخصية أو وظيفية، مثل علاقة رجل بامرأة أو موظف بجهة خارجية، وذلك بهدف إخفاء الرشاوى أو التستر المالي. لذلك من المهم الانتباه لأي تحويلات مالية غير مألوفة أو غير مبررة، لأنها قد تكون مؤشرًا على ممارسات مشبوهة مثل غسل الأموال.

 

كيف تساعد التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في رصد المعاملات المالية المشبوهة؟

تشير التقارير إلى أن حجم الأموال غير المشروعة المتداولة عالميًا تجاوز  3.1 تريليون دولار دفعت إلى النظام المالي من جرائم متعددة . في مواجهة هذا التحدي، تلعب التقنيات الحديثة مثل التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي دورًا متنامياً في مراقبة المعاملات المالية. فعلى سبيل المثال، أعلنت مجموعة HSBC  العالمية عن استخدامها لنظام ذكاء اصطناعي مخصص لمكافحة غسل الأموال، حيث يساعد النظام الجديد في تحديد الأنشطة المشبوهة بدقة أعلى وتقليل الإنذارات الكاذبة بنسبة حوالي 60% . ويُترجم هذا عملياً إلى اكتشاف حالات غسيل أموال أكثر وتنبيه فرق الامتثال للمعاملات الخطرة بشكل أسرع، مع تقليل الوقت والموارد المهدورة في تحقيقات على شبهات واهية. في المنطقة العربية، بدأت بنوك كبرى في الخليج أيضاً تبني حلول ذكية مماثلة. فقد أشار تقرير لمنظمة مصرفية إقليمية إلى أن بنوك الإمارات والسعودية طوّرت أطرًا متطورة لمراقبة المعاملات المالية معتمدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من هذه الإجراءات، مثلاً إدخال أنظمة مراقبة آلية تحلل حركة الأموال بشكل فوري وتكشف أنماطاً غير اعتيادية – ما يشمل تطبيقات تحليل سلاسل البلوك تشين، والتحقّق البيومتري، وغيرها من الأدوات المتقدمة.  وقد أدى ذلك إلى تعزيز قدرة البنوك على تحديد الجرائم المالية قبل وقوعها، بما في ذلك استهداف الوقاية من النشاطات الإرهابية المشبوهة.

 

كيف استخدمت بنوك عالمية الذكاء الاصطناعي لمراقبة غسل الأموال؟

أثبتت دراسة حالة لبنك  HSBCأنَّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضاعف من كفاءة كشف غسل الأموال. فقد لاحظ البنك العالمي أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على التعلم من بيانات المعاملات السابقة تستطيع اكتشاف نشاطات غسيل أموال معقدة ومربوطة بشبكات إجرامية، وذلك بدقة تفوق الأنظمة التقليدية القائمة على القواعد الثابتة. ونتيجة لذلك، عرّف النظام الاصطناعي ما بين اثنين إلى أربعة أضعاف عدد الأنشطة المشبوهة مقارنة بالنظام القديم، مع خفض الإنذارات الخاطئة بنسبة 60. %كما وجد الفريق أن الوقت اللازم للرد على الأنشطة الحقيقية انخفض إلى 8 أيام فقط، مما يرفع من فرص إيقاف شبكة جريمة مالية مبكراً.

 

ما الإجراءات العملية التي اتخذتها بعض الدول لتعزيز مكافحة غسل الأموال وتطبيق الامتثال المالي؟

اتخذت الحكومات العربية خطوات فعّالة لتقوية أطر مكافحة غسل الأموال وإرساء نظم رقابية صارمة. ففي الإمارات العربية المتحدة، عقب إدراجها ضمن القائمة الرمادية للFATF  عام 2022، قامت الدولة بتعزيز تشريعاتها المصرفية. فقد جاء القانون الاتحادي رقم 20 لعام  2018 ليطلب من المؤسسات المالية تطبيق برامج رقابة تعتمد نهج المخاطر وتعيين ضباط امتثال مالي. كما حسّنت السلطات مهام وحدة الاستخبارات المالية (FIU) في تبادل البيانات مع البنوك والجهات الدولية، وفرضت غرامات مالية قياسية على الجهات المخالفة لتعزيز الالتزام. كذلك شجّعت الإمارات على استخدام تقنيات مبتكرة في الامتثال، مثل مراقبة المعاملات بالذكاء الاصطناعي والبلوك تشين لضمان سلامة التحويلات عبر الحدود.

 

كيف حسّنت الإمارات أطرها التشريعية لمكافحة غسل الأموال؟

أقرّت الإمارات في السنوات الأخيرة تعديلات تشريعية ألزمت البنوك بتنفيذ إجراءات رقابية مشددة، مثل التعرّف الدقيق على العملاء (KYC) والمتابعة الدقيقة للحسابات عالية الخطورة. فقد جرى فيدرالية قانون مكافحة غسل الأموال 2018 الذي يعزز الإفصاح والتقارير المالية، مما وضح مسؤولية كل مؤسسة مالية في الإبلاغ عن أي أنشطة مشتبه بها. وبالإضافة إلى ذلك، عززت السلطات التعاون بين القطاعين العام والخاص عبر إنشاء لجان مشتركة لتبادل المعلومات التحقيقية، الأمر الذي حسّن سرعة تحقيق وضبط شبكات الجرائم المالية. هذه التحركات ساهمت في خروج الإمارات من القائمة الرمادية، كونها رسّخت ثقة الشركاء الدوليين في نزاهتها المالية.

 

ماذا نفذت السعودية لدعم الامتثال المالي والرقابة الدولية؟

تسير المملكة العربية السعودية على نهج متكامل ضمن رؤية  2030 لتعزيز الامتثال المالي. فقد قام البنك المركزي السعودي (ساما) بتحديث نظام غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليتماشى مع توصيات FATF والقوانين الأمريكية. كما شجّع الرقابة فرض معايير صارمة لعملية فتح الحسابات (KYC) والمراقبة المستمرة للمعاملات المشكوك فيها. وفي القطاع المصرفي تم تبني التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بشكل واسع لمراقبة المعاملات البنكية واكتشاف الجرائم المالية، وذلك ضمن مبادرات تحصّن المرافق المالية السعودية وتضييق مخاطر سوء الاستخدام. نتج عن هذه الإصلاحات تحسين العلاقات مع البنوك المراسلة الدولية، إذ مكنتها من البقاء في الصفوف الأمامية إقليمياً في مجال النزاهة المالية.

 

كيف دعمت مصر منظومتها المصرفية بفرق عمل وتعاون دولي؟

ركزت مصر على تعزيز أشكال التعاون المحلي والدولي في مكافحة الجرائم المالية. فقد شكّل البنك المركزي المصري فرق عمل متخصصة في غسل الأموال (task forces) لتعزيز الرقابة على المعاملات العالية المخاطر. كما كثّف البنك استخدام الحلول الرقمية مثل فتح الحسابات الإلكترونية (Digital KYC) لتحسين التدقيق ومنع الاحتيال المالي. على الصعيد الدولي، زادت مصر تعاونها مع جهات مثل FATF والإنتربول والسلطات الأمريكية تبادلًا للمعلومات حول الشبكات المالية الإجرامية. أسفر ذلك عن رفع الثقة الدولية في قطاعها المصرفي، وهو ما ساهم في جذب استثمارات وتحسين العلاقات المصرفية العالمية مع مصر.

 

كيف يدعم التدريب المهني والشهادات الدولية عمل الخبراء الماليين في مكافحة غسل الأموال؟

في بيئة تتسم بتعقيد متزايد، تبرز أهمية الشهادات الاحترافية. شهادة CAMS المعتمدة من جمعية ACAMS العالمية هي المعيار الذهبي عالميًا في هذا المجال. حيث توفر المعرفة والأدوات اللازمة للكشف عن الأنشطة المشبوهة. تجهز الدورات التحضيرية الناجحة المتدربين لاجتياز امتحان CAMS العالمي بنجاح. لقد انضم أكثر من 40,000 خريج إلى حاملي شهادة CAMS حول العالم، ما يعكس الشغف العالمي بهذا التخصص. كما أن الخبرة الواسعة للشهادة تعزز مصداقية حاملها في القطاع المالي. إن اختيار برنامج تدريبي معتمد، مثل الذي يقدمه معهد الحل الوحيد للتدريب والاستشارات، يمنح المشاركين ميزة تنافسية ويزودهم بالأدوات العملية والتطبيقية للدوران في بيئات الامتثال المالي بفعالية. حيث دورات معهد الحل الوحيد للتدريب والاستشارات معدة من قبل خبراء معتمدين في مكافحة غسيل الأموال ومدربون حاصلون على شهادات ACAMS  ويملكون خبرات عملية واسعة مع توفير بيئة تعليمية تفاعلية تشمل دراسات حالة وتمارين واقعية تساعد المتدربين على اكتساب مهارات عملية. كما يلتزم المعهد بأفضل الممارسات والمعايير العالمية لتعزيز الكفاءة والشفافية المالية، كذلك بعد نهاية الدورة، يقدم المعهد استشارات مجانية ودعمًا مستمرًا لضمان تطبيق المتعلمين لما اكتسبوه. هذه الإجراءات تضمن أن يسهم خريجو المعهد بفاعلية في حماية مؤسساتهم وتعزيز الالتزام بالامتثال المالي. للبدء في بناء مهارات مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب، ففي عالم اليوم، حماية النظام المالي تبدأ بتطوير مهارات الأفراد.

...